فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشوكاني:

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)}
الويل: هو مرتفع على الابتداء، وسوّغ الابتداء به مع كونه نكرة كونه دعاء عليهم، وخبره: {لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} والمعنى: خزي، أو عذاب، أو هلكة أو واد في جهنم لكل همزة لمزة.
قال أبو عبيدة، والزجاج: الهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس، وعلى هذا هما بمعنى وقال أبو العالية، والحسن، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح: الهمزة الذي يغتاب الرجل في وجهه، واللمزة: الذي يغتابه من خلفه.
وقال قتادة عكس هذا.
وروي عن قتادة، ومجاهد أيضًا أن الهمزة: الذي يغتاب الناس في أنسابهم.
وروي عن مجاهد أيضًا أن الهمزة: الذي يهمز الناس بيده.
واللمزة الذي يلمزهم بلسانه.
وقال سفيان الثوري: يهمزهم بلسانه، ويلمزهم بعينه.
وقال ابن كيسان الهمزة: الذي يؤذي جلساءه بسوء اللفظ، واللمزة: الذي يكسر عينه على جليسه، ويشير بيده وبرأسه وبحاجبه، والأوّل أولى، ومنه قول زياد الأعجم:
تدلي بودّي إذا لاقيتني كذبا ** وإن أغيب فأنت الهامز اللمزه

وقول الآخر:
إذا لقيتك عن سخط تكاشرني ** وإن تغيبت كنت الهامز اللمزه

وأصل الهمز: الكسر.
يقال: همز رأسه كسره، ومنه قول العجاج:
ومن همزنا رأسه تهشما

وقيل: أصل الهمز واللمز: الضرب والدفع.
يقال: همزه يهمزه همزًا، ولمزه يلمزه لمزًا: إذا دفعه وضربه، ومنه قول الشاعر:
ومن همزنا عزه تبركعا ** على أسته زوبعة أو زوبعا

البركعة: القيام على أربع.
يقال بركعه، فتبركع، أي: صرعه، فوقع على أسته.
كذا في الصحاح، وبناء فعلة يدلّ على الكثرة، ففيه دلالة على أنه يفعل ذلك كثيرًا، وأنه قد صار ذلك عادة له، ومثله ضحكة ولعنة.
قرأ الجمهور: {همزة لمزة} بضم أوّلهما، وفتح الميم فيهما.
وقرأ الباقر، والأعرج بسكون الميم فيهما.
وقرأ أبو وائل، والنخعي، والأعمش: {ويل للهمزة اللمزة} والآية تعمّ كلّ من كان متصفًا بذلك، ولا ينافيه نزولها عل سبب خاص، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
{الذى جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ} الموصول بدل من كلّ، أو في محل نصب على الذمّ، وهذا أرجح؛ لأن البدل يستلزم أن يكون المبدل منه في حكم الطرح، وإنما وصفه سبحانه بهذا الوصف؛ لأنه يجري مجرى السبب، والعلة في الهمز واللمز، وهو إعجابه بما جمع من المال، وظنه أنه الفضل، فلأجل ذلك يستقصر غيره.
قرأ الجمهور: {جمع} مخففًا.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي بالتشديد.
وقرأ الجمهور: {وعدّده} بالتشديد.
وقرأ الحسن، والكلبي، ونصر بن عاصم، وأبو العالية بالتخفيف، والتشديد في الكلمتين يدلّ على التكثير وهو جمع الشيء بعد الشيء، وتعديده مرّة بعد أخرى.
قال الفراء: معنى: {عدّده} أحصاه.
وقال الزجاج: وعدّده لنوائب الدّهور.
يقال: أعددت الشيء وعددته: إذا أمسكته.
قال السديّ: أحصى عدده.
وقال الضحاك: أعدّ ماله لمن يرثه.
وقيل: المعنى فاخر بكثرته وعدده، والمقصود ذمه على جمع المال، وإمساكه، وعدم إنفاقه في سبيل الخير.
وقيل: المعنى على قراءة التخفيف في {عدّده}: أنه جمع عشيرته وأقاربه.
قال المهدوي: من خفف {وعدّده}، فهو معطوف على المال، أي: وجمع عدده.
وجملة: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} مستأنفة: لتقرير ما قبلها، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال، أي: يعمل عمل من يظنّ أن ماله يتركه حيًا مخلدًا لا يموت.
وقال عكرمة: يحسب أن ماله يزيد في عمره، والإظهار في موضع الإضمار للتقريع والتوبيخ.
وقيل: هو تعريض بالعمل الصالح، وأنه الذي يخلد صاحبه في الحياة الأبدية لا المال.
وقوله: {كَلاَّ} ردع له عن ذلك الحسبان أي: ليس الأمر على ما يحسبه هذا الذي جمع المال وعدده، واللام في: {لَيُنبَذَنَّ في الحطمة} جواب قسم محذوف، أي: ليطرحنّ في النار، وليلقينّ فيها.
قرأ الجمهور: {لينبذنّ} وقرأ علي، والحسن، ومحمد بن كعب، ونصر بن عاصم، ومجاهد، وحميد، وابن محيصن: {لينبذانّ} بالتثنية، أي: لينبذ هو وماله في النار.
وقرأ الحسن أيضًا: {لينبذنّ} أي: لينبذن ماله في النار.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحطمة}؟ هذا الاستفهام للتهويل والتفظيع حتى كأنها ليست مما تدركه العقول، وتبلغه الأفهام.
ثم بيّنها سبحانه فقال: {نَارُ الله الموقدة} أي: هي نار الله الموقدة بأمر الله سبحانه، وفي إضافتها إلى الاسم الشريف تعظيم لها وتفخيم، وكذلك في وصفها بالإيقاد. وسميت (حطمة)؛ لأنها تحطم كل ما يلقى فيها وتهشمه، ومنه:
إنا حطمنا بالقضيب مصعبا ** يوم كسرنا أنفه ليغضبا

قيل: هي الطبقة السادسة من طبقات جهنم.
وقيل: الطبقة الثانية منها.
وقيل: الطبقة الرابعة {التى تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة} أي: يخلص حرّها إلى القلوب فيعلوها ويغشاها، وخصّ الأفئدة مع كونها تغشى جميع أبدانهم؛ لأنها محلّ العقائد الزائغة، أو لكون الألماذا وصل إليها مات صاحبها، أي: إنهم في حال من يموت، وهم لا يموتون.
وقيل معنى: {تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة} أنها تعلم بمقدار ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب، وذلك بأمارات عرّفها الله بها.
{إِنَّهَا عَلَيْهِم مؤصدة} أي: مطبقة مغلقة، كما تقدّم بيانه في سورة البلد، يقال أصدت الباب: إذا أغلقته، ومنه قول قيس بن الرقيات:
إن في القصر لو دخلنا غزالا ** مصفقًا موصدًا عليه الحجاب

{فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ} في محل نصب على الحال من الضمير في {عليهم}، أي: كائنين في عمد ممدّدة موثقين فيها، أو في محلّ رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هم في عمد، أو صفة لمؤصدة، أي: مؤصدة بعمد ممدّدة.
قال مقاتل: أطبقت الأبواب عليهم، ثم شدّت بأوتادٍ من حديد، فلا يفتح عليهم باب، ولا يدخل عليهم روح.
ومعنى كون العمد ممدّدة: أنها مطوّلة، وهي: أرسخ من القصيرة.
وقيل: العمد أغلال في جهنم، وقيل: القيود.
قال قتادة: المعنى: هم في عمد يعذّبون بها، واختار هذا ابن جرير.
قرأ الجمهور: {في عمد} بفتح العين، والميم.
وقيل: هو اسم جمع لعمود.
وقيل: جمع له.
قال الفرّاء: هي جمع لعمود كأديم وأدم.
وقال أبو عبيدة: هي جمع عماد.
وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر بضم العين، والميم جمع عمود.
قال الفرّاء: هما جمعان صحيحان لعمود.
واختار أبو عبيد، وأبو حاتم وقراءة الجمهور.
قال الجوهري: العمود عمود البيت، وجمع القلة أعمدة، وجمع الكثرة عمد وعمد، وقرئ بهما.
قال أبو عبيدة: العمود كل مستطيل من خشب أو حديد.
وقد أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: {وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} قال: هو المشاء بالنميمة، المفرّق بين الجمع، المغري بين الإخوان.
وأخرج ابن جرير عنه: {وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ} قال: طعان.
{لُّمَزَةٍ} قال: مغتاب.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عنه أيضًا في قوله: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مؤصدة} قال: مطبقة.
{فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ} قال: عمد من نار.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: هي الأدهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الأبواب هي الممدّدة.
وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: أدخلهم في عمد، فمدّت عليهم في أعناقهم، فشدّت بها الأبواب. اهـ.

.قال القاسمي:

سورة الهمزة:
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}
أي: لكل من يطعن في أعراض الناس ويغتابهم. أصله من الهمز بمعنى الكسر، ومن اللمز بمعنى الطعن الحقيقيين، ثم استعير لذلك ثم صار حقيقة عرفية فيه.
قال زياد الأعجم:
تُدْلى بِوُدٍّ إذا لا قيتَني كِذبًا ** وإِن أُغَيَّبْ فأنت الهامِزُ اللُّمَزهْ

وبناء فُعَلَة يدل على أن ذلك عادة منهُ قد ضَريَ بها، لأنه من صيغ المبالغة، والآية عني بها من كان من المشركين بمكة، همازًا لمازًا. كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: 29- 30]، وقوله: {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ} [القلم: 11] الآيات؛ فالسبب وإن يكن خاصًا، إلا أن الوعيد عام يتناول كل من باشر ذلك القبيح. وسرّ وروده عامًا ليكون جاريًا مجرى التعريض بالوارد فيه، فإن ذلك أزجر له وأنكى فيه.
{الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ} أي: أحصى عدده ولم ينفقه في وجوه البر.
قال الإمام: أي: أن الذي يحمله على الحط من أقدار الناس، هو جمعه المال وتعديده. أي: عده مرة بعد أخرى، شغفًا به وتلذذًا بإحصائه؛ لأنه لا يرى عزًا ولا شرفًا ولا مجدًا في سواه، فكلما نظر إلى كثرة ما عنده منه، انتفخ وظن أنه من رفعة المكانة، بحيث يكون كل ذي فضل ومزيه دونه، فهو يهزأ به ويهمزه ويلمزه، ثم لا يخشى أن تصيبه عقوبة على الهمز واللمز وتمزيق العرض؛ لأن غروره بالمال أنساه الموت وصرف عنه ذكر المآل فهو {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} أي: يظن أن ماله الذي جمعه وأحصاه وبخل بإنفاقه، مخلدهُ في الدنيا، فمزيل عنه الموت.
{كَلَّا} أي: فليرتدع عن هذا الحسبان، فإن الأمر ليس كما ظن، بل لابد أن يفارق هذه الحياة إلى حياة أخرى يعاقب فيها على ما كسب من سيئ الأعمال، كما قال: {لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} أي: ليلقين وليقذفن يوم القيامة في النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يلقى فيها، أي: تكسرهُ. وكلمة النبذ تفيد التحقير والتصغير.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} استفهام عنها لتهويل أمرها، كأنها ليست من الأمور التي تدركها العقول.
{نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} أي: هي النار التي لا تنسب إلا إليه سبحانه، لأنه هو مُنشئُها في عالم لا يعلمهُ سو اه.
قال أبو السعود: وفي إضافتها إليه سبحانه، ووصفها بالايقاد، من تهويل أمرها ما لا مزيد عليه.
{الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} قال ابن جرير: أي: التي يطلع ألمها ووهجها على القلوب، والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى؛ حكي عن العرب سماعًا: متى طَلَعت أرضنا، و: طلعتُ أرضي، بلغتُ.
وقال الزمخشري: يعني أنها تدخل في أجوافهم حتى تصل إلى صدورهم وتطلع على أفئدتهم، وهي أوساط القلوب. ولا شيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد، ولا أشد تألمًا منهُ بأدنى أذى يمسه، فكيف إذا اطلعت عليه نار جهنم واستولت عليه!! ويجوز أن يخص الأفئدة لأنها موطن الكفر والعقائد الفاسدة والنيات الخبيثة، أو تطالع، على سبيل المجاز معادن موجبها.
{إِنَّهَا عَلَيْهِم مؤصدة} أي: مغلقة مطبقة لا مخلص لهم منها.
{فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ} صفة لمؤصدة، أو حال من الضمير المجرور، وإلى الوجهين أشار الزمخشري بقوله: والمعنى أنه يؤكد يأسهم من الخروج، وتيقنهم بحبس الأبد، فتؤصد عليهم الأبواب، وتمدد على العمد، استيثاقًا في استيثاق. ويجوز أن يكون المعنى أنها عليهم مؤصدة، موثقين في عمد ممدة، مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص.
والمقاطر جمع مَقطرة، بالفتح، وهي جذع كبير فيه خروق يوضع فيها أرجل المحبوسين من اللصوص ونحوهم، وتقطر، أي: يجعل كلٌّ بجنب آخر، و{عَمَدٍ} قرئ بضم العين والميم وفتحهما.
قال ابن جرير: وهما قرأءتان معروفتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، ولغتان صحيحتان، والعرب تجمع العمود عُمُدًا وعَمَدًا، بضم الحرفين وفتحهما، كما تفعل في جمع إهاب تجمعهُ أُهُبًا وأهَبًا.
تنبيه:
قال القاشاني في بيان آفات رذيلتي الهمز واللمز اللتين نزلت في وعيدهما السورة، ما مثاله: الهمز أي: الكسر من أعراض الناس واللمز، أي: الطعن فيهم، رذيلتان مركبتان من الجهل والغضب والكبر؛ لأنهما يتضمنان الإيذاء وطلب الترفع على الناس، وصاحبهما يريد أن يتفضل على الناس، ولا يجد في نفسه فضيلة يترفع بها. فينسب العيب والرذيلة إليهم ليظهر فضله عليهم، ولا يشعر أن ذلك عين الرذيلة، فهو مخدوع من نفسه وشيطانه موصوف برذيلتي القوة النطقية والغضبية. ثم قال: وفي قوله: {وَعَدَّدَهُ} إشارة أيضًا إلى الجهل؛ لأن الذي جعل المال عدة للنوائب لا يعلم أن نفس ذلك المال يجر إليه النوائب؛ لاقتضاء حكمة الله تفريقه في النائبات، فكيف يدفعها؟ وكذا في قوله: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} أي: لا يشعر أن المقتضيات المخلدة لصاحبها هي العلوم والفضائل النفسانية الباقية، لا العروض والذخائر الجسمانية الفانية ولكنهُ مخدوع بطول الأمل، مغرور بشيطان الوهم عن بغتة الأجل. والحاصل أن الجهل الذي هو رذيلة القوة الملكية، أصل جميع الرذائل، ومستلزم لها. فلا جرم أنه يستحق صاحبه المغمور فيها العذاب الأبديّ المستولي على القلب المبطل لجوهره. اهـ.